هل وليد الركراكي مدرب رياضي أم “باطرون” اقتصادي؟
لم يكن تصريح وليد الركراكي، مدرب المنتخب المغربي، حول أن “5 في المائة فقط من المغاربة تنتقد مقابل 95 في المائة تشجع”، مجرد ردّ عابر على الجدل الدائر حول اختياراته التقنية، بل تحوّل إلى مدخل لنقاش أوسع يتجاوز المستطيل الأخضر، ويمسّ جوهر العلاقة بين السلطة، النخبة، والأغلبية.
الصحفي عصام واعيس قرأ هذا التصريح من زاوية مختلفة، في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع فايسبوك أمس الثلاثاء، حين اعتبر أن الركراكي، من حيث لا يدري، استحضر تعريفًا كلاسيكيًا للنخبة في علم السياسة. فوفق محمد الرضواني في كتابه “مدخل إلى علم السياسة”، لا تتجاوز النخبة 5% من المجتمع، وهي الفئة التي تمتلك قيمة أو أكثر من القيم الأساسية بدرجة أعلى من بقية الأفراد، وغالبًا ما تضطلع بدور النقد والتصويب وإعادة طرح الأسئلة المزعجة.
المفارقة، كما يلتقطها واعيس، أن الركراكي الذي استقوى خطابيًا بـ”الأغلبية المشجعة”، انتهى عمليًا إلى التأثر بآراء تلك الأقلية الناقدة، بل وطبّق جزءًا كبيرًا مما دعت إليه في اختياراته اللاحقة. وهو ما يُحسب له، لأنه فضّل فرحة الجمهور ومصلحة المنتخب على العناد، وعلى وهم الاكتفاء بالتصفيق.
غير أن أهمية هذا النقاش لا تكمن في كرة القدم وحدها، بل في منطق التدبير الذي يحكمها. هنا يفتح واعيس مقارنة ذكية بين سلوك المدرب وسلوك “الباطرون” في الشركات والإدارات. فكم من كفاءات لا تجد من يدافع عنها؟ وكم من مواهب تُقصى لأن معايير الاختيار لا تقوم على الأداء، بل على الأقدمية، المزاج، الرهان النفسي، أو الولاء الشخصي؟
هذه المعايير، التي حكمت بعض اختيارات الركراكي في بداياته، هي نفسها التي تتحكم في توزيع المناصب داخل مؤسسات كثيرة. وهي لا تعني بالضرورة أن “الباطرون” سيّئ أو شرير، بل تعكس عقلية موروثة ترى أن الولاء أصل ثابت، بينما الأداء متغيّر ويمكن تأجيله.
الإشكال الحقيقي يظهر حين تنفرط الموهبة. فطالما كان الموالي موهوبًا، لا أحد ينتبه، ويُخيّل للجميع أن الكفاءة هي المعيار. لكن عندما تتراجع الموهبة أو تغيب من الأصل، يبقى الولاء وحده، مشوّهًا وفجًّا، وتبدأ الأزمة. هنا تتحول النخبة الناقدة إلى “5 في المائة مزعجة”، بدل أن تُنظر إليها كآلية تصحيح ضرورية.
في كرة القدم، يُناقش هذا السلوك علنًا لأن المنتخب “أصل عمومي”، ولأن نتائجه تُعرض أمام الجميع. أما في الشركات والإدارات، فلا أحد يتحدث عن الذين تُهدر كفاءاتهم أو تُكسر طموحاتهم، لأن الأمر لا يتعلق بمباراة، بل بـ”ضيعة خاصة” تُدار على مزاج صاحبها.
وهكذا، تبقى الغنم حيث هي، وتهاجر النسور. تحلّق بعيدًا، داخل الوطن أو خارجه. ويبقى السؤال معلقًا: هل نحتاج فعلًا إلى مزيد من التصفيق، أم إلى شجاعة الإصغاء لتلك الـ5 في المائة ؟
مقال رأي للصحفي عصام واعيس بتصرف



















Discussion about this post