لم يكن تحرك ساكنة الجماعات القروية بإقليم تاونات الغني بالمؤهلات الطبيعية الخام والأراضي الفلاحية، إلا مرآة لواقع البؤس والتهميش الذي يشبه إلى حد كبير قصة فيلم “حياة الماعز”، ذلك أن هذا الإقليم الذي يضم 48 جماعة ترابية بينها 5 مدن صغيرة هي غفساي، قرية با محمد، تيسة ظهر السوق، تاونات.
أما بقية الجماعات الترابية فكلها جماعات قروية، تعيش في عزلة شبه تامة، لا يزورها مسؤول حكومي، ولا ممثل جلالة الملك محمد السادس، عامل الإقليم صالح داحو، وهو ما جعل إحدى المسيرات الاحتجاجية الغاضبة ترفع شعار “إرحل في وجه العامل”.
ونظرا لافتقار الإقليم إلى مبادرات تنموية تلبي الخدمات الأساسية للساكنة خصوصا في الجماعات القروية، من مدارس التعليم، والمراكز الصحية المجهزة بالموارد البشرية واللوجستية، ومعاناة المواطنين مع شح مبادرات الدعم الفلاحي، ومحدودية برامج تقريب المياه رغم توفر الإقليم على أكبر سدود في المملكة، جعل الهجرة ومغادرة الإقليم وسيلة للهرب من الجوع والعطش.
فقد أظهرت نتائج إحصاء سنة 2024، أن نسبة 7,5 من ساكنة إقليم تاونات اختفت من خريطة الإقليم، بسبب رحلات الهجرة القروية نحو المدن، وعلى الخصوص طنجة وفاس، بعدما تعذر على الناس توفير الكلأ لماشيتهم، ونضبت مياه الآبار والعيون لسقي فلاحتهم، في غياب برامج السقي الفلاحي.
مسيرة على الأقدام صوب ولاية فاس
استفحلت مظاهر التهميش والإهمال خصوصا على مستوى الصحة والتعليم والتكوين المهني، وندرة فرص الشغل، رغم أن الإقليم يتوفر على إنتاج فلاحي جيد، إلا أنه يفتقر إلى تعاونيات ومعامل لتثمين المنتوجات الفلاحية، وتصبيرها، وتعليبها، وتوجيهها للأسواق الوطنية.
مصادر من السلطات المحلية، قالت في حديث مع جريدة “إيكو بريس” الإلكترونية، أن رجال السلطة القياد والباشا، دورهم يتمثل في كتابة تقارير تصف الوضع الاجتماعي، بينما تنزيل البرامج يجب أن يأتي من مركز الإقليم أو من الحكومة، وهذا ما يُفسر حالة الغليان التي جعلت المتظاهرين يرفعون شعارات قوية ضد عامل الإقليم صالح داحو، مُرددين هتافات “ما دار والو ما دار والو … العامل يمشي فحالو”.
ونهار أمس الإثنين، خرجت ساكنة جماعة بوعروس عن بكرة أبيها، في مسيرة احتجاجية سيرا على الأقدام إلى مقر ولاية جهة فاس، البعيدة بأزيد من 150 كيلومترا، من أجل إيصال صوتهم إلى صناع القرار، بعدما لم تتفاعل معهم السلطات الإقليمية في مطالب بسيطة مرتبطة بأساسيات الحياة، على غرار الماء الصالح للشرب.
وقال نشطاء محليون إن هذه الاحتجاجات الحاشدة لساكنة إقليم تاونات، خرجت بشكل عفوي دون توجيه من الأحزاب ولا تأطير من النقابات، مما يعني أن شرارة الغضب ترتفع مباشرة إلى السلطات المحلية، وذلك بسبب تفاقم الاختلالات المتراكمة، وفقدان المواطنين الثقة في المسؤولين الترابيين بعمالة الإقليم.
وفي هذا السياق، أعلنت لجنة نداء الكرامة عن تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي، فبعد التحركات التي شهدها الإقليم في الأسابيع الماضية، نظمت مسيرة احتجاجية يوم السبت 20 شتنبر الجاري؛ انطلاقا من ساحة البلدية في اتجاه المندوبية الإقليمية للصحة والرعاية الاجتماعية. كما قررت تنظيم وقفة احتجاجية في بلدية تيسة، بساحة الفرس، يوم السبت 27 شتنبر.
إقليم شاسع يئن تحت الفقر والتهميش
يتميز إقليم تاونات بمساحة شاسعة، تمتد على مساحة 5.585 كلم مربع، في سنة 2004 كان عدد سكانه 668.232 نسمة (إحصاء 2004). يتوزع السكان على أكثر من 1.600 دوّار (قرية) يعتمد اقتصادها أساسا على الزراعة وتربية المواشي.
ينقسم إقليم تاونات إلى جزئين متميزين: منطقة شمالية جبلية، وتُغطي نحو 40% من إجمالي مساحة الإقليم، وعلى ارتفاعات تتراوح بين 100 م إلى 1800 م. وفي هذا الجزء تعبر الأودية الرئيسية الستة (الأنهار) مكونة بذلك أهم روافد وادي ورغة.
أما الجزء الجنوبي فيقع في فج الوديان، وهو يغطي مساحة تقارب 3300 كلم². في حين تتراوح الارتفاعات ما بين 150 إلى ألف متر، من جبل زدور على طول وادي إيناون، وتتنوع ما بين السهول والهضاب على طول خط وادي سبو.
كل هذه العوامل الجغرافية المتميزة، لم يستطر المسؤولون عن الإقليم تحويلها إلى موارد مُنتجة للثروة، سواء عبر تشجيع السياحة الجبلية، أو إنشاء التعاونيات الفلاحية، أو دعم القدرات التكوينية للنساء والشباب.
وعوض أن تتدخل مؤسسات الدولة في تنزيل برامج تلامس احتياجات الناس، فإنها جاءت لهم بمعامل تقنين استخدام نبتة القنب الهندي، وكأن إمكانيات الإقليم كلها اختزلت في هاته النبتة التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، حتى أن ثمن بيعها انخفض لأدنى مستوى، مما جعل السكان القرويون يحنون للعودة لزراعة القطنيات والقمح والفصة إذا ما وفرت لهم الدولة مصادر المياه. فهل من مُجيب ؟
Discussion about this post