صفقات تأهيل المناطق الخضراء بطنجة مبرر مقنع لاحتجاجات جيل زيد
في الوقت الذي كان مفترضا أن تنشط في مدينة بحجم طنجة 50 مقاولة على الأقل في مجال التأثيث الحضري، والبستنة، وتهيئة حدائق ألعاب للأطفال، فإن مقاولة وحيدة لا شريك لها تحصد الأخضر واليابس، محتكرة منذ 9 سنوات هذه الخدمات التي تبلغ الميزانية المخصصة لها 8 مليار سنتيم سنويا.
ولعل ما يثير التساؤلات أكثر عن الحكامة وتكافؤ الفرص أن هذه المقاولة، التي ينحدر أصحابها من إقليم بني بوعياش بالحسيمة، تحتكر كل الصفقات العمومية في مدينة طنجة مهما اختلفت الجهة المالكة للمشروع ( الولاية أو الجماعة أو وكالة تنمية وإنعاش أقاليم الشمال…)، وتنفرد بميزانية ضخمة تحت مبررات” غير قانونية ” ، على حد قول الخبراء، ملحقة الضرر الكبير بالمقاولات الأخرى.
مقاولات ترفض تبرير الاحتكار
يقول مسيرو مقاولات مختصة في البستنة والمناطق الخضراء، إن الإدارات العمومية في طنجة التي تزود “المقاولة المعلومة” بجميع الصفقات العمومية وسندات الطلب المتعلقة بأشجار الأرصفة والحدائق العامة، تبرر قراراتها بأن “الشركة المحتكرة الصفقات” تتوفر على اليد العاملة الكافية، وتمتلك الآليات والعتاد اللوجستي.
لكن هذه الادعاءات الواهية، حسب المقاولات الصغرى التي أسسها شباب بهدف خلق الثروة وخلق فرص الشغل، “باطل يراد به باطل” حسب قولهم، لأن الأوراش الصغيرة والمتوسطة، لا تحتاج إلى أسطول ضخم من العتاد والآليات.
ويوضح أحد المقاولين في مجال البستنة والمناطق الخضراء هاجر قبل سنوات إلى إحدى دول أمريكا الشمالية هربا من الديون التي غرق فيها، بأن مدينة طنجة توجد بها أكثر من 12 مقاولات صغرى، لكن الصفقات تحتكرها شركة واحدة دون سواها.
ويضيف أن المقاولة استولت خلال السنوات الأخيرة على الأخضر واليابس، حتى أن السلطات صادرت “بون دي كوموند” ديال المقاطعات وجماعة اكزناية، وفوتتهم إليها، مما أدخل بعض المقاولات الصغرى في حالة الإفلاس، واضطر عددا منها إلى تسريح عمالها والاكتفاء بفُتات الخدمات مع القطاع الخاص”.
احتكار يضر بالاقتصاد المحلي
إن أوراش ومشاريع تهيئة فضاءات ومساحات خضراء وأرصفة وحدائق الأطفال في مدينة طنجة، ترصد لها ميزانيات ضخمة من المال العام، غير أن توزيع الثروة يظل محتكرا من قبل شركة واحدة “لا شريك لها”، وهذه ظاهرة ليست مقتصرة على طنجة، وإنما تنتشر في مدن عديدة، وهي وجه من أوجه غياب الحكامة، وصورة قاتمة لأوجه الإقصاء الذي يحرم أكبر عدد من المقاولات الصغرى تحريك دورتها الاقتصادية.
ويكفي القيام بعملية حسابية بسيطة، لفهم خطورة الاحتكار على فرص الشغل، وعلى جودة الخدمات، وعلى ترشيد النفقات، ودوره غير المباشر في الاحتقان الاجتماعي الذي انفجر مؤخرا عبر احتجاجات جيل زيد الذي يتضح من خلال تصريحات المنتسبين إليه، أنهم فئة واعية ومتعلمة، لكنها ضحية لقرارات مماثلة: “الاحتكار” و”الزبونية” و”المحسوبية” و “لي دوا يرعف”.
فإن لم تكن هذه المقاولة مسيطرة على مجال تأهيل المساحات الخضراء في عاصمة البوغاز لتضاعفت القدرة التشغيلية، قياسا إلى أن مدينة طنجة تضم 10 مقاولات صغرى في هذا المجال، على أن كل مقاولة تخلق ما بين 50 أو 60 فرصة شغل مستقرة، وهو ما يعادل 600 منصب شغل، ينضاف إلى 1000 منصب شغل توفره المقاولة المهيمنة على المجال المذكور.
لكن في ظل سياسة الاحتكار والهيمنة، تتعرض المقاولات الصغرى إلى أضرار مادية، وتتوقف عن الإنتاج والتنافسية، وتضطر لتسريح الشغيلة جراء عدم استفادتها من الصفقات.
مثلما تشهد خدمات الشركة الواحدة المهيمنة تدهورا في الجودة وصعوبة في تغطية المجال الترابي بالمواصفات التقنية نفسها المحددة في دفتر التحملات، وتنخرط مصالح المراقبة في مفاوضات غير متكافئة في ظل عدم تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
Discussion about this post