رغم أن زمن الانتخابات بدأ يدنو، ولم يعد تفصلنا عنه سوى شهور معدودات، لم تفتح وزارة الداخلية بعد علبة أسرار ملف الاستحقاقات المقبلة، ومازالت خريطة طريقها طي الكتمان.
وتتميز هذه الانتخابات بخصوصية الظرف السياسي المحلي والإقليمي، والاستفهام الذي يؤرق دائما هو ما الذي تغير؟ ما الجديد الذي ستحمله التغييرات، حتى تجيب عن الأسئلة الانتخابية الكبرى التي تطرحها بعض الأحزاب؟
وتعد عملية تحديد الدوائر الانتخابية من أهم العمليات الانتخابية السابقة ليوم الاقتراع، فهي قضية سياسية بالدرجة الأولى، إذ شكلت مجالا للنقاش في شتى بلدان العالم، ففي إسبانيا مثلا، تقول قيادية في حزب العدالة والتنمية، كانت هذه القضية محط جدال واسع تطور إلى درجة التنصيص على حدود الدوائر الانتخابية في دستور البلاد، إذ نصت المادة 68 من الدستور الإسباني على جعل الإقليم دائرة انتخابية، وذلك للحيلولة دون تغييرها إبان الانتخابات وقد نجحت هذه السياسة في إسبانيا، ما ساهم في تجاوز هذا الموضوع الذي كان دائما محط صراع.
ويلعب التقطيع دورا حاسما في رسم نتائج الانتخابات، من منطلق أن تحديد معايير تقسيم الدوائر يكون عاملا مؤثرا بشكل كبير في النتائج، ففي إطار نظام انتخابي تنافسي وديمقراطي يمنح التقطيع لمختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بالمقاعد تبعا لعدد الأصوات التي حصلوا عليها.
في المقابل، يمكن أن يستخدم التقطيع كأداة لصالح أحزاب سياسية معينة أو مرشحين معينين، كما يمكن أن يستعمل من قبل النظام السياسي لإحداث التوازن السياسي الذي يريد، أو لرسم خريطة سياسية متحكم فيها، ومن هنا تنبع خطورته وأهميته، على حد قول القيادية نفسها.
ويعد مبدأ التمثيل المتساوي من أهم مبادئ التقطيع، ويقتضي ضمان تمثيل كل دائرة مهما كان عدد سكانها، كما يقتضي مراعاة التوازن الديمغرافي بين الدوائر من حيث عدد السكان، لكنه لا يفرض في الوقت نفسه وجود مساواة مطلقة بين الدوائر الانتخابية، طالما أن النائب بالبرلمان لا يمثل الدائرة التي انتخب فيها فقط، بل يمثل مجموع البلاد.
ورغم ذلك، لا يمكن انطلاقا من روح الديمقراطية، التسامح مع التشويهات التي تفقد التصويت دلالته. فإذا كانت هذه التشويهات مقبولة من وجهة نظر النظام التمثيلي، فهي لا تعتبر كذلك من وجهة نظر مبدأ المساواة وعمومية الاقتراع المكرسين دستوريا.
هل بلادنا في حاجة إلى تقطيع انتخابي جديد، بعد التجارب السابقة لتطوير التقطيع نفسه، انسجاما مع المبادئ التي نص عليها القانون التنظيمي لمجلس النواب، القاضية بالتقليص من عدد الدوائر من 95 في 2007 إلى 81 في 2011 ، وكذا رفع عدد المقاعد بالنسبة إلى بعض الدوائر، إذ تتوفر 27 عمالة وإقليما على مابين 4 و6 مقاعد، لم تذهب تلك التجارب إلى مداها، ولم تنجح بسبب تغليب معيار جعل العمالة والإقليم أساس التقسيم، في حين أغفل بشكل كبير المعيار الديمغرافي، وهو ما أدى إلى تفاوت كبير بين الدوائر واستمرار تكريس منطق التحكم القبلي.