حكومة الداخلية بوزراء ترابيين… المركزية تعود في ثوب ناعم
لم يعد النقاش حول الجهوية المتقدمة في المغرب نقاشًا إداريًا أو قانونيًا فحسب، بل أصبح بوابة لفهم طبيعة التحول العميق الذي تعرفه الدولة في علاقتها بالمجال والسلطة، فمنذ صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية سنة 2015، بدأ المنحنى ينحدر تدريجيًا من روح دستور 2011 الذي وعد بانتقال ديمقراطي نحو توزيع فعلي للسلطة، إلى منطق جديد يعيد تركيز القرار في يد وزارة الداخلية، التي تحولت فعليًا إلى الحكومة الترابية الحقيقية، باثنا عشر واليًا على رأس الجهات الاثني عشر، يشكلون ما يشبه حكومة ظلّ ترابية، تمسك بخيوط القرار العمومي والتنفيذي، وتتحكم في التمويل، وتنسق برامج الوزارات، وتحدد أولويات التنمية داخل مجالاتها الترابية، وبهذا المعنى، لم تعد وزارة الداخلية مجرد جهاز وصاية أو رقابة، بل هو الفاعل القيادي الذي يوجّه السياسات العمومية على المستوى الترابي، ويضبط إيقاع الجماعات المنتخبة تحت شعار التنسيق الترابي.
لكن اللافت أن هذا التحول لم يأتِ عبر الصدام أو القرار المباشر، بل عبر ما يمكن تسميته بـالمركزية الناعمة، مركزية جديدة لا تمارس سلطتها بالقوة، بل بالإقناع عن طريق المغالطات المنطقية التي لا تلغي المؤسسات المنتخبة، بل تُفرغها من جوهرها، لا تفرض التحكم بالقرارات، بل تصوغها داخل لغة الحكامة والتنمية المندمجة…، إننا أمام شكل جديد من ممارسة السلطة في المغرب، سلطة تتخفّى وراء خطاب التنمية، وتستبدل الآليات السياسية بالنجاعة التقنية، وتقدّم نفسها كحلّ عقلاني لمشاكل بطء القرار المحلي وفساد المنتخبين، لكن في العمق، نحن أمام تحول بنيوي يعيد رسم العلاقة بين المركز والمجال، بين الدولة والمجتمع، بين الشرعية الانتخابية والفعالية الإدارية.
السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا بجرأة ووعي هو:
هل ما نعيشه اليوم يمثل نضجًا مؤسساتيًا جديدًا في إدارة الدولة وممارسة الحكم ؟، أم أنه عودة ناعمة إلى منطق التحكم المركزي المفرط ولكن بأدوات حديثة وخطاب تنموي جذاب ؟
كتبه الباحث في الحركات الاجتماعية مرتضى الأندلسي


















Discussion about this post