إيكونوميك برس – عبد الرحيم بنعلي
وصل العالم إلى القرن الواحد والعشرين، وتطورت الهندسة المعمارية لمستوى عال جدا، حيث أصبحت المنشآت العامة مختبرا لابتكارات أشكال هندسية مبدعة، تارة تستوحى من الخيال، وتارة من التراث المعماري المحلي، والحضارة العريقة، أو مزيج بين هذا وذاك.
لكن في الحالة المغربية، تكاد تكون جل المنشآت التي يتم تشييدها في إطار الدينامية التنموية التي تعرفها المملكة، تفتقد إلى تلك اللمسة الإبداعية التي تميز المباني بهوية معمارية معينة.
لدينا مثال جديد، شاهد على هذه الحقيقة، يتعلق الأمر بالمحطة الطرقية الجديدة في منطقة الحرارين، والتي رافق افتتاحها هالة كبيرة وكأننا أمام إنجاز كبير جدا، كان سيكون كدلك لو تحققت فيه بعض المواصفات المفقودة، لأسباب مجهولة.
ولا ندري هل هي عقدة الإتقان وعدم إتمام المشاريع على أصولها، شأن كثير من المرافق العمومية في المدينة التي شيدت بنقائص كثيرة، ومع ذلك دخلت حيز الخدمة، مثل ملعب ابن بطوطة لكرة القدم الذي تعتريه عيوب كثيرة أنقصت من قيمة هذه المعلمة الرياضية، أفدحها ترك الفراغات في اتجاه التيارات الهوائية، وصغر الجزء المغطى من إحدى ضفتي المدرجات، وخلو الجانب المقابل من السقف المغطى تماما.
فإذا كان اختيار موقع بناء المحطة الطرقية يعكس النطرة المستقبلية الجيدة، أمام التوسع العمراني السريع الذي تشهده المدينة، بحيث ستصبح محطة المسافرين في تتوسط عاصمة البوغاز، فإن الجزء المبني من المحطة يأخذ حيزا صغيرا في مساحة وعاءها العقاري، وقد ظهرت عيوب هذا الاختيار المعماري مع دخول المحطة حيز الخدمة مباشرة، ولم تنتظر وقتا طويلا، فقد بدأت أول أيام استقبالها للمسافرين وسط الاكتظاظ والازدحام الشديدين، وهو ما اضطر السلطات الاستعانة بالحواجز الحديدية للفصل بين الشبابيك، من أجل تنظيم طوابير المسافرين الراغبين في حجز التذاكر.
الملاحظة الأخرى، هي أن موقع المحطة معرض لهبوب رياح قوية، ولم يتم مراعاة هذه المسألة عند تشييد مبنى المحطة، فما جدوى الدراسات التقنية التي تسبق إنجاز المشروع، إذا كانت ستغفل خطأ تقنيا فادحا كهذا، فعندما ستكون أحوال الطقس غير مستقرة وهي الأجواء التي تطغى على فصول الخريف والشتاء، سيعاني سائقو سيارات الأجرة وأعوان الخدمة في محطة الطاكسيات، كثيرا مع الرياح العاصفية.
أما التصميم الهندسي للبناية فهو ذو شكل بسيط جدا، يشبه في تثافيل كثيرة المحطة الطرقية بتطوان، دون مراعاة الفوارق بين المدينتين في عدد السكان وعدد الزوار الوافدين إليها، حيث تضمن أية لمسة إبداعية لتوسعة بناءها، بما يستجيب للحاجيات والمتطلبات ويوفر سبل الراحة للمرتفقين، سواء في مكاتب حجز التذاكر، التي خصص لها حيز ضيق ومتداخل فيما بينها، بشكل لا يساعد على انتظام الطوابير وانسيابية الخدمة.
نفس الأمر بالنسبة لفضاءات الاستقبال والانتظار، سواء بجناح المغادرة، أو بردهة الوصول، مساحتها صغيرة ولا تكفي للأعداد الكبيرة للمسافرين من مستعملي المحطة الطرقية.
كما تفتقر محطة سيارات الأجرة الكبيرة التي تقل المسافرين اتجاه المدن المجاورة، إلى مكتب للإرشادات، وإلى لوحات تشوير الوجهات، وإلى لائحة الأسعار لحماية المسافرين من التلاعب والمضاربات في سوق النقل والمواصلات.
بدورها تفتقر محطة وقوف حافلات النقل الحضري، والنقل المزدوج لأماكن مخصصة للانتظار، وأمكنة مغطاة واقية للشمس وللأمطار، ولوحات التشوير ورسومات مسارات المرور